أ.د. عبد الفتاح البنا
أستاذ ترميم الآثار بجامعة القاهرة
يفترض أن يكون للشواهد الأثرية التي يزخر بها التاريخ المصري على مدار سبعة ألاف عام مضت مردود في عمليات الإنماء و رفع المستوى المعيشي للمصريين. و هو ما يجعل لهذا الإرث التاريخي فعل السحر سواء على الصعيد الثقافي أو الأقتصادي، و لن أزايد إن أكدت دوره الإيجابي في علاقتنا السياسية الخارجية و نظرة شعوب العالم للآثار المصرية كتراث إنساني يجب المحافظة عليه، مما دعا لجنة التراث العالمي التابعة لليونسكو إلى إدراج العديد من المواقع الأثرية بمصر ضمن قائمة التراث العالمي. و يفترض أن يواكب هذه الرؤية سعيا حثيثا من جانب المسئولين و المهتمين بالآثار نحو تحديد السياسات التي من شأنها الحفاظ على هذا التراث و تدفع بخطط التنمية السياحية إلى الأمام. لذا كان من الواجب على المسؤلين قراءة المعطيات التي توفرها التقنيات الحديثة و استشعار المخاطر قبل و قوعها و نحن بصد حدث جلل قد يذهب بالعديد من المواقع الأثرية و التاريخية و يمحوها من الخريطة الجغرافية و السياحية لمصر. هذا الحدث الذي ندنوا منه رويدا رويدا دون أن نستشعر و هو اختفاء المدن الساحلية التاريخية كالإسكندرية، رشيد، دمياط، و بور سعيد و هم يمثلون أهم المدن التاريخية على طول 300 كم هو امتداد خط الشاطئ لمنطقة دلتا النيل المطلة على ساحل البحر الأبيض المتوسط.
و على الرغم من تمثيل مصر كأول دولة عربية في الملتقي الدولي ريو دي جانيرو
عام 92 الذي ناقش ظاهرة الإحتباس الحراري و التغيرات المناخية العالمية و
ما ينتج عنها من ارتفاع منسوب سطح البحر بمقدار 50 سم عام 2050 يصل إلى
1متر عام 2100م، و تباعات ذلك من غرق الشواطئ المصرية خاصة المناطق و
الجيوب المنخفضة بمعدل 30% أو ثلث مساحة هذه المدن.
و بخلاف الهجرات البشرية من هذه المناطق بما يعادل ثلث السكان
لكل من هذه المدن و فقدان الممتلكات و العقارات التي قدرت في دراسات تقييم
المخاطر نتيجة لتأثير ارتفاع مستوى سطح البحر على المدن الساحلية بنحو 30
بليون دولار أمريكي. و من خلال الدراسة التي قدمها الأستاذ الدكتور محمد
الراعي – جامعة الأسكندرية في بدايات التسعينات من القرن السابق، و أقرتها
منظمة التعاون الإقتصادي و التنمية من خلال المنح المقدمة لمصر و التي تقدر
بـ 1.5 مليار دولار من المجتمع الدولي لمجابهة هذه المشكلة. لنا أن نسأل
الأن المسؤلين عن الآثار في مصر أين رؤيتهم المستقبلية في الحفاظ على
المواقع الأثرية التي تضمها هذه المدن الساحلية خاصة و أن هذا التراث يعكس
تجربة الإبداع الفكري للمجتمعات الإنسانية القديمة عبر العصور الحضارية
المختلفة و يخرج عن منظومة التقييم المادي في حالة خسارته لا قدر الله.
تقع مصر بين خطي عرض 22
° إلى 32
° شمالا و خطي طول 24
° إلى 37
° شرقا. يحدها من الشمال البحر الأبيض المتوسط و من الجنوب
السودان و من الغرب ليبيا و من الشرق فلسطين و البحر الأحمر. تمتد سواحلها
نحو 3500 كم على امتداد شواطئ البحر الأبيض المتوسط و البحر الأحمر. تبلغ
الشواطئ الممتدة بطول دلتا النيل في مواجهة ساحل البحر الأبيض المتوسط نحو
300 كم و تضم العديد من المدن الكبرى التي لعبت دورا هاما في تشكيل تاريخ
الحضارات القديمة، و هي نفسها المدن التي تتعرض الأن لمخاطر الغرق نتيجة
للتغيرات المناخية التي تسود العالم نتيجة لظاهرة الاحتباس الحراري و زيادة
معدل درجات الحرارة التي ستزداد بحلول عام 2030 بمقدار 0.8
° م و 1.2
° م بحلول عام 2050، و 2
° م بحلول عام 2100 ، مما حث العلماء لعمل نماذج رقمية
للسيناريوهات المتوقعة نتيجة لهذه التغيرات المناخية و ما تسببه في إذابة
ثلوج القطب الجنوبي و ارتفاع مستوى سطح البحر. أشارت نتائج هذه الحسابات
بدأ ارتفاع منسوب سطح البحر المتوسط أمام شواطئ دلتا النيل مما أدي إلى نحر
و تأكل هذه الشواطئ تمهيدا لغرق الشواطئ تدريجيا و ارتفاع منسوب المياه في
الجيوب السطحية المنخفضة المتاخمة للمناطق الساحلية. و ساعد على ذلك عدم
وجود الحماية الطبيعية التي كانت توفرها رواسب النيل نتيجة لتقلص كمياتها و
حجزها خلف السد العالي الذي يبعد 1000 كم متر عن المناطق الساحلية. كذلك
تؤدي هذه الظاهرة إلى تسرب مياه البحر المالحة لتختلط بالخزان الجوفي العذب
مما يزيد من مناسيب المياه الجوفية تحت أساسات المنشآت خاصة الأثرية منها.
--------------------------------------------------------------
لذلك رأيت من واجبي أن نعرض لبعض الشواهد و الدلالات التي نرصدها في
دراستنا كباحثين لآثار مدينتي رشيد و الأسكندرية و التي تتفق مع مؤشرات
دراسة تقييم المخاطر في سواحل دلتا النيل. و قد رصد في الأونة الأخيرة
ازدياد مناسب المياه تحت اساسات الآثار في العديد من المواقع سواء كانت لها
قريبة من السواحل أو لها ارتباط غير مباشر بهذه المناطق الساحلية كالزيادة
الملحوظة في إيرادات فيضان النيل في الأعوام القليلة الماضية.
المصدر
http://www.landcivi.com/new_page_411.htm
المصدر
http://www.landcivi.com/new_page_411.htm
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق